+974 4466 4066
·
info@slf-qa.com
·
08:00am - 6:00pm الاحد - الخميس

ثورة العملات الافتراضية بين المصالح الشخصية والاقتصاد العالمي

بين ليلةٍ وضحاها ارتفع سهم البيتكوين من ألف دولار أمريكي إلى أكثر من سبعة عشر ألف دولار، وذلك وسط ترويج كبير لتداول هذه العملة في الميديا العربية والدولية التي تشهد هذه الأيام ترويج غير مسبوق لعملة البيتكوين وبسرعةٍ لم تشهدها من قبل أي عملة افتراضية، وكذلك وسط تزايد المخاوف من البنوك العربية والدولية بسبب سحب المودعين لأموالهم من أجل الاستثمار في هذه العملة الافتراضية، وأيضاً في ظل تزايد الحديث عن مدى اعتماد هذه العملة في تمويل أغلب العمليات الإرهابية والإجرامية التي تتم في كافة أنحاء العالم

لذا فإننا في ظل ما تقدم سنتناول في هذا المقال الأسباب التي ميزت هذه العملة-دون غيرها من باقي العملات-في تمويل العمليات الإرهابية والإجرامية وغسيل الأموال، ومكنت العديد من الأشخاص في تكوين الثروات الطائلة بسرعةٍ هائلةٍ، وذلك دون أي قيدٍ أو شرطٍ وضعته الدول على تداولهم لهذه العملة

وفي سياقٍ متصلٍ سنتناول المخاطر التي ستتعرض لها اقتصاديات الدول، والاقتصاد العالمي من جراء تزايد الطلب على هذه العملة يوماً بعد يوم، وكذلك المخاطر التي ستصيب الاقتصاد العالمي حال تقنين هذه العملة من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية

دايةً نود أن نذكر أن عملة البيتكوين لم تكن هي الأولى من نوعها في مجال العملات الافتراضية، فهناك العديد من هذه العملات التي سبقت البيتكوين في الظهور مثل: عملة الايت كوين، والدوج كوين، والفيرت كوين، واليا كوين، والاولترا كوين، ولكن

ما ميز عملة البيتكوين كي تكون البيئة الخصبة للنشاطات الإجرامية، هي إنها عملة مشفرة، وتستخدم آليات قوية لتأمينها مثل النسخ الاحتياطية منها، والتواقيع المتعددة، مما يصعب معه تزييفها. كما إن لمستخدميها التحكم الكامل في مدفوعاتهم، ولا يمكن مطالبتهم بمدفوعات غير مصدق عليها

علاوةً على ما تقدم فهذه العملة مجهولة المصدر، حتى مخترعها صاحب الاسم الرمزي (ساتوشي ناكاموتو) غير معروف من حيث هل هو شخص أم عصابة، أم حتى دولة، فمن الممكن أن يكون قد استخرج ثروة من البت كوين، قبل أن يُعلَن عنها

كل هذه المزايا جعلت من البيتكوين أسهل الوسائل في تمويل النشاطات الإجرامية، خاصةً وأن الأموال التي تأتي من النشاطات الغير شرعية تحتاج إلى عمليات تسمى غسيل الأموال، لكن مع هذه العملة التي لا يمكن مراقبتها أو تتبعها، ستصبح هذه الممارسات الغير قانونية سهلة وبسيطة، مثلاً، هناك مواقع على الشبكة العميقة للإنترنت تبيع المخدرات، وتستخدم عملة البيتكوين كمقابل، وهكذا فإن ميزة السرية والخصوصية تعد سلاح ذو حدين، وكما أنها بقدر ما توفر الحرية للناس، توفر أيضاً الحرية للمجرمين

ومن أشهر الوقائع الغير مشروعة التي استخدمت فيها العملة الافتراضية "البيتكوين" تمثلت في اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية؛ حيث تم تحويل الأموال عن طريق هذه العملة إلى المجرمين الذين قاموا باختراق الموقع، خاصةً وأنها عملة غير خاضعة للرقابة، ولا يمكن التعرف على شخصية متداوليها

على الجانب الأخر فإن هذه العملة أصبحت الوسيلة المناسبة لبعض الأشخاص من أجل تكوين الثروات الطائلة دون أي عناءٍ يُذكر، ودون أي قلقٍ من ملاحقة الدول لهم بسبب تدول هذه العملة بالمخالفة للقانون الذي يحظر تداولها، ودون مخاوفٍ من سداد الضرائب التي تضعها الدول على تداول هذه العملة، بل إن كل ما تمتلكه أجهزة الدول في هذا الخصوص هي سؤال هؤلاء الأشخاص عن مصدر تكوين الثروات الطائلة التي تمكنوا من جنيها في وقتٍ قصيرٍ للغاية

على صعيد الأضرار التي لحقت وستلحق بالبنوك العربية والدولية من جراء تزايد الطلب على تداول عملة البيتكوين، فهناك العديد من التقارير المنشورة مؤخراً عن سحب العديد من المودعين لأموالهم من البنوك، وذلك لاستثمارها في البيتكوين نظراً لما تقدمه هذه العملة من مزايا سحرية قادرة على زيادة عائدتهم السنوية إلى أضعاف مضاعفة بالمقارنة بأرباح البنوك

هل توجد احتمالات لتقنين عملة البيتكوين عالمياً؟، وهل سيؤثر تزايد الاعتراف الدولي بهذه العملة على الاقتصاد العالمي؟

للإجابة على هذا التساؤل يجب بدايةً أن نتناول الخطوات الضرورية واللازمة لتقنين أوضاع هذه العملة في النظام المالي للدول بشكلٍ سليمٍ يوافق المعايير والنظم المالية الدولية، حيث يجب أولاً أن يصدر قراراً دولياً من المنظمات الدولية المالية بالاعتراف بهذه العملة في التداول العالمي، وأن يتزايد حجم الاتفاقيات الدولية في إقرار كل دولة طرف بهذه العملة واعتمادها في النظام المالي لديها، وبعد ذلك يعقب هذا الاعتراف الدولي اعترافاً داخلياً بالقوانين المحلية للدول بهذه العملة، وأن يكون هناك غطاءً مالياً لهذه العملة من الذهب، وذلك كما هو الحال بالنسبة للعملات الورقية

فعند هذه النقطة نستطيع القول بأن هذه العملة أصبحت مستقرة دولياً وداخلياً بدول العالم التي اعترفت بها، ويصبح الاستثمار فيها مسلماً به من الناحية القانونية، ولكن يجب أن نتوقف هنا أمام مسألتين هامتين، تتمثل المسألة الأولى في أن هذه العملة قيمتها متأرجحة: فعندما بدأت هذه العملة كانت قيمتها قليلة جداً ثم صعدت إلى أن تجاوزت في نهاية 2013 قيمتها 1000 دولار مقابل وحدة بتكوين واحدة، ثم انخفضت بنسبة 20 % بعد أن منعت الصين تداولها فهي غير مرتبطة بالذهب، أو بحكومة، وإنما مرتبطة بالمستخدمين أنفسهم وبالقبول التي ستلقاه من قبل الأسواق العالمية

وتتمثل المسألة الثانية في أنه وفقاً للتقارير المنشورة خلال الآونة الأخيرة من الصعب الاعتراف بعملة البيتكوين دولياً، وذلك لأن الدول الكبرى التي تسيطر على النظام المالي العالمي ترفض المساس بعملة الدولار المتداولة دولياً، وذلك لما سيؤدي إليه هذا المساس من اختلال في النظام المالي العالمي الذي يُدار بواسطة الدولار، وما يؤيد ذلك أن المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي قد نصت على إقرار الأعضاء الموقعين عليها بأن الغرض الأساسي من النظام النقدي الدولي يتمثل في توفير إطار لتيسير تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين البلدان، والحفاظ على نمو اقتصادي سليم. كما نصت المادة أيضاً على إيجاد نظام مستقر لأسعار الصرف

ومما لا شك فيه أن في تعامل بعض الدول بعملة البيتكوين وحظر البعض الأخر التعامل بهذه العملة، سيؤدي إلى مخالفة اتفاقية صندوق النقد الدولي التي التزمت الأعضاء الموقعين عليها بضرورة إيجاد نظام مالي مستقر لتيسير تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين البلدان

صفوة القول؛ أن التساؤل اليومي المطروح حول مستقبل عملة البيتكوين ‘Bitcoin”، هل تنجح في التحول إلى عملة معترف بها عالمياً لتكون منافساً قوياً للعملات الوطنية والدولية المعترف بها بين كافة دول العالم، أم ستختفي مع مرور الزمن وتكون مجرد وسيلة غير قانونية استخدمها مجهولون لتكوين ثروة قد تقدر بمئات ملايين الدولارات